سورة الزمر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)}
كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته، فأخبر أن الموت يعمهم، فلا معنى للتربص، وشماتة الباقي بالفاني.
وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه، ونعى إليكم أنفسكم. وقرئ: {مائت ومائتون} والفرق بين الميت والمائت: أنّ الميت صفة لازمة كالسيد. وأما المائت، فصفة حادثة تقول: زيد مائت غداً، كما تقول: سائد غداً، أي سيموت وسيسود. وإذا قلت: زيد ميت، فكما تقول: حي في نقيضه، فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت. والمعنى في قوله: {إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ} إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى؛ لأنّ ما هو كائن فكأن قد كان {ثُمَّ إِنَّكُمْ} ثم إنك وإياهم، فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب {تَخْتَصِمُونَ} فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، فاجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد، ويعتذرون بما لا طائل تحته، تقول الأتباع: أطعنا سادتنا وكبراءنا، وتقول السادات: أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون؛ وقد حمل على اختصام الجميع وأنّ الكفار يخاصم بعضهم بعضاً، حتى يقال لهم: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} [ق: 28] والمؤمنون الكافرين يبكتونهم بالحجج، وأهل القبلة يكون بينهم الخصام. قال عبد الله بن عمر: لقد عشنا برهة من دهرنا وديننا ونحن نرى أنّ هذه الآية أنزلت فينا وفي أهل الكتاب؟ قلنا: كيف تختصم ونبينا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد؟ حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها أنزلت فينا. وقال أبو سعيد الخدري: كنا نقول: ربنا واحد ونبينا واحد وديننا واحد، فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفّين وشدّ بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا: نعم هو هذا.
وعن إبراهيم النخعي قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان؟ فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا.
وعن أبي العالية: نزلت في أهل القبلة. والوجه الذي يدلّ عليه كلام الله هو ما قدمت أولاً. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} وقوله تعالى: {والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] وما هو إلا بيان وتفسير للذين يكون بينهم الخصومة {كَذَبَ علَى الله} افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه {وَكَذَّبَ بالصدق} بالأمر الذي هو الصدق بعينه، وهو ماء جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {إِذْ جَاءهُ} فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة، لإعمال روية واهتمام بتمييز بين حق وباطل، كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون {مَثْوًى للكافرين} أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في {للكافرين} إشارة إليهم.


{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
{والذى جَاء بالحق وَصَدَّقَ بِهِ} هو رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء بالصدق وآمن به، وأراد به إياه ومن تبعه، كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون: 49] فلذلك قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} إلا أنّ هذا في الصفة وذاك في الاسم. ويجوز أن يريد: والفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به، وهم الرسول الذي جاء بالصدق، وصحابته الذي صدقوا به. وفي قراءة ابن مسعود: {والذين جاؤوا بالصدق وصدقوا به} وقرئ: {وصدق به} بالتخفيف، أي: صدق به الناس ولم يكذبهم به، يعني: أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف. وقيل: صار صادقاً به، أي: بسببه؛ لأنّ القرآن معجزة، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يده، ولا يجوز أن يصدق إلاّ الصادق، فيصير لذلك صادقاً بالمعجزة، وقرئ: {وصدّق به} فإن قلت: ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذي عملوا، وما معنى التفضيل فيهما؟ قلت: أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل، كقولك: الأشج أعدل بني مروان. وأما التفضيل فإيذان بأن السيء الذي يفرط منهم من الصغائر والزلاّت المكفرة، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية، والحسن الذي يعلمونه هو عند الله الأحسن، لحسن إخلاصهم فيه؛ فلذلك ذكر سيئهم بالأسوأ وحسنهم بالأحسن. وقرئ: {أسوأ} الذي عملوا جمع سوء.


{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)}
{أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي، فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها. وقرئ: {بكاف عبده} وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، و {بكاف عباده} وهم الأنبياء؛ وذلك: أنّ قريشاً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، وإنا نخشى عليك معرتها لعيبك إياها. ويروى: أنه بعث خالداً إلى العزّى ليكسرها، فقال له سادنها: أحذركها يا خالد، إنّ لها لشدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إليها فهشم أنفها. فقال الله عزّ وجلّ: أليس الله بكاف نبيه أن يعصمه من كل سوى ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف. وفي هذا تهكم بهم؛ لأنّهم خوّفوه ما لا يقدر على نفع ولا ضرّ. أو أليس الله بكاف أنبياءه ولقد قالت أممهم نحو ذلك، فكفاهم الله وذلك قول قوم هود: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} [هود: 54] ويجوز أن يريد: العبد والعباد على الإطلاق، لأنه كافيهم في الشدائد وكافل مصالحهم. وقرئ: {بكافي عباده} على الإضافة. و {يكافي عباده}. ويكافي: يحتمل أن يكون غير مهموز مفاعله من الكفاية، كقولك: يجازي في يجزى، وهو أبلغ من كفى، لبنائه على لفظ المبالغة. والمباراة: أن يكون مهموزاً، من المكافأة وهي المجازاة، لما تقدم من قوله: (ويجزيهم أجرهم)، {بالذين مِن دُونِهِ} أراد: الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه {بِعَزِيزٍ} بغالب منيع {ذِى انتقام} ينتقم من أعدائه، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم، وينصرهم عليهم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10